3-النوع الثالث :ابتلاء الانبياء والمؤمنين التائبين الى الله
قال ابن القيم في الفوائد ص 42 :
الطريق طريق تعب فيه ادم، وناح لاجله نوح،ورمي في النار الخليل،واضطجع للدبح
اسماعيل،وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين،ونشر بالمنشار
زكرياء،ودبح السيد الحصوريحيى،وقاس الضر ايوب،وعالج الفقر وانواع الاذى محمد صلى
الله عليه وسلم.انتهى
وساقتصر هنا فقط على ذكر ابتلاء المؤمن ،
فالمؤمن الصادق متى بدأ التوبة الا وانهالت عليه المصائب والابتلاءات تثرى ،هذه من
اصدقاءه الذين كان معهم ،وهذه في ماله لانه تعامل بالربى من قبل وجمعها من حرام
فكيف به ان يتخلص منها ، وهذه في بدنه ،وهذه في طبيعته وعاداته لانه ماتعود القيام
وماتعود الصوم وماتعود الصلاة في وقتها ،وهذه في مدرسته وعمله وحتى في سفره،
معاصي محيطة به سهلة وتهواها الانفس ،وهذه الانواع من الابتلاءات وجدت لتحقيق
غايات شتى منها:
ا-الابتلاء من اجل التمحيص
قال الله تعالى في كتابه العزيز:
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)
جاء في تفسير العلامة السعدي - رحمه الله تعالى
يخبر تعالى عن [تمام] حكمته وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال " إنه مؤمن " وادعى لنفسه الإيمان، أن يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه، فإنهم لو كان الأمر كذلك، لم يتميز الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل، ولكن سنته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة، أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن، التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة، والشهوات المعارضة للإرادة، فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها (1) بما معه من الحق وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب، أو الصارفة عن ما أمر اللّه به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته.انتهى كلامه
وكتاب الله مليء بالايات التي تدل على الابتلاء من اجل التمحيص، والدعوة الى الصبر،
فهل يتصوّر ظهور فضل ذي الفضل، وتميّز معادن بعض الرجال عن بعض إلا بالابتلاء والصبر ؟
وهل عرف فضل أنبياء الله ورسله، وأوليائه وأهل طاعته، فكانوا موضع التأسي والإقتداء إلا بصبرهم على أذى الخلق، وتحملهم في سبيل الله ما لم يقدر عليه سواهم من الناس ؟
وقد أثنى الله على الصابرين، ورفع مقامهم، ووعدهم أعظم المثوبة والجزاء، فقال سبحانه:
{... إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}سورة الزمر-10
ووعد الصابرين المحتسبين:
{الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }سورة البقرة: 156- 157
وبيّن لنا في كتابه العزيز، وهدي نبيّه الكريم أن الصبر لا يقدر عليه إلا أولو العزائم من الرجال، فقال سبحانه:
{... وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاْمُورِ }سورة لقمان-17
وقال تعالى:
{وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } سورة الشورى-43
وقال سبحانه:
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ...} سورة الأحقاف-35
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }سورةالملك-2
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُم}سورة محمد-31
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}سورة البقرة-155 انتهى
لنا موعد ان شاء الله ،لنكمل ما تبقى ،واشكركم على الاهتمام بالموضوع، وسبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واثوب ايك.