بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله وحده ،والصلاة والسلام على محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد:
من صفات المنافقين ايضا لايذكرون الله الا قليلا
ذِكْرُ الله تعالى من أجل العبادات وأعظمها، فهو يدل على كمال العبودية والمحبة والتأليه. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب/41] قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: إن الله لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً، ثم عذر أهلها في حال عذر، غير الذكر، فإن الله لم يجعل له حدًّا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدًا في تركه، إلا مغلوباً على تركه، فقال: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ } [النساء/103]، بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والصحة والسقم، والسر والعلانية، وعلى كل حال، وقال: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا} [الأحزاب/42] فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته).
ولقد امتلأت قلوب المؤمنين بحب الله وتعظيمه فشغلهم ذكره عن كل شيء. فلهم ذكر إذا آووا إلى فرشهم ولهم ذكر إذا استيقظوا من النوم، وإذا دخلوا الخلاء وإذا خرجوا منه، وإذا توضؤوا وإذا صلوا وإذا خرجوا من منازلهم وإذا عادوا إليها، وإذا بدؤوا طعامهم وإذا انتهوا منه، لهم ذكر إذا فرحوا ولهم ذكر إذا حزنوا. وما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من شيء إلا وسنّ لنا ذكراً لله فيه. يذكر المؤمن ربه حباً وتعظيماً، خوفاً ورجاءً.
وفي المقابل فقد وصف الله تعالى المنافقين بأنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً. قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء/142].
قال ابن كثير في تفسيره: (وقوله: {وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلاً} أي: في صلاتهم لا يخشعُون فيها ولا يدرون ما يقولون، بل هم في صلاتهم ساهون لاهون، وعما يراد بهم من الخير معرضون. وقد روى الإمام مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق: يجلس يَرْقُب الشمس، حتى إذا كانت بين قَرْنَي الشيطان، قام فَنَقَر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا”. وكذا رواه مسلم، والترمذي، والنسائي، من حديث إسماعيل بن جعفر المدني، عن العلاء بن عبد الرحمن. وقال الترمذي: حسن صحيح).
وقال تعالى واصفاً المنافقين:{ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة/19] . وقال تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة/67] ، وقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر/19] . وقال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه/124-126] . فالمنافقون انشغلوا بدنياهم عن آخرتهم، ولم تعمر قلوبهم بحب الله وخشيته، فنسوا الله وتشاغلوا عن ذكره، وإذا ذكروه فلا يذكرونه إلا قليلاً بألسنتهم وقد غفلت عنه قلوبهم.
فالمنافق يندس في الصف المسلم، إما خوفاً منهم، أو للإيقاع بينهم ونقل أخبارهم لعدوهم. وهو أثناء ذلك يتظاهر بصفات المؤمنين، تلبيساً عليهم. ولكن لا يقو قلبه على ذكر الله والمداومة عليه. فكم رأينا من أولئك المنافقين الذين يتثاقلون عن الصلاة فيضيعونها، وإذا حضروها تأففوا من تطويل الإمام في الصلاة، فإذا انتهت الصلاة كانوا أسرع الناس مغادرة للمسجد، فلا يذكرون الله بعد الصلاة ولا يصلون السنن الرواتب. وبالمقابل تراهم يضيعون الأوقات الطوال في شؤون الدنيا بلا توقف ولا تأفف. يكرهون دروس العلم والذكر فيضيعونها، وإذا حضروها لم يفقهوا منها شيئاً، ويحرصون على مجالس الغيبة والنميمة والإيقاع بين المسلمين. إذا تُلي عليه القرآن تثاءب ونعس، وإذا ذكرت الدنيا نشط، قال تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر/45].
وقد ترى ان بعضهم لا يقيمه ولا يقعده إلا الأناشيد والأغاني والموسيقى، وبالمقابل لا يكاد يحسن سورة من القرآن. وإذا جالست الواحد منهم، فانه يحدثك لساعات، لا يذكر الله فيها الا قليلا.
وقد سئل الامام علي رضي الله عنه عن الخوارج، وكانوا من أكثر الناس عبادة وطاعة مع جهل وغلو فيهم، أكفارٌ هم؟ قال: من الكفر فروا. فقيل منافقون؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً. قيل فمن هم؟ قال: قوم بغوا علينا فقاتلناهم. وفي رواية: قوم بَغوا علينا فنُصرنا عليهم. وفي رواية: قوم أصابتهم فتنة فعمّوا فيها وأصمّوا. (رواه ابن أبي شيبة في المصنف باسناد صحيح ورواه عبد الرزاق والبيهقي).
منقول بتصرف
الى لقاء اخر ان شاء الله مع صفة اخرى من صفات المنافقين في القران و السنة وسبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك