بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله وحده ،والصلاة والسلام على محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد:
ذكر العلماء ان للمنافقين اكثر من ثلاثين صفة وعلامة في كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، مع اختلاف فيما بينهم من حيث الاسماء ،وزعت في القران الكريم في سبع عشرة سورة من السور المدنية -البالغ عددها ثلاثين - وهي البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، والحجّ، والنور، والعنكبوت، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والحديد، والمجادلة، والحشر، والمنافقون، والتحريم، فيكون عدد الايات قرابة مائتين وخمسين آية.
وسأبدا في هذا الباب ان شاء الله بذكر بعض الصفات القريبة منا او الملتصقة بنا،حتى نتمكن من محاصرتها والمجاهدة فيها لاجلاءها، ثم اثني بذكر الصفات التي تنتظرنا اذا لم نتب الى ربنا ونرجع الى صحيح ديننا.
القيام الى الصلاة كسالى والتخلف عن صلاة الجماعة قال الله تعالى:
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلا {النساء:142}. قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها وهي الصلاة ، إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها لأنهم لا نية لهم فيها ولا إيمان لهم بها ولا خشية ولا يعقلون معناها. كما روى ابن مردويه من طريق عبيد الله بن زحر عن خالد بن أبي عمران عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: يكره أن يقدم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان ولكن يقوم إليها طلق الوجه عظيم الرغبة شديد الفرح فإنه يناجي الله وإن الله اتجاهه يغفر له ويجيبه إذا دعاه ثم يتلو هذه الآية: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى انتهى .
إن التثاقلَ والتكاسلَ في القيامِ إلى الصلاةِ عموما او الذهاب الى المسجد لحضور صلاة الجماعة خصوصا، من الأوصاف المشينة والأخلاق الذميمة التي أصبحت عادة مستديمة عند بعض المصلين. ولقد بلغ الحال ببعضهم إلى أنه لايكاد أن يدرك صلاةً بجميع ركعاتها مع الجماعة إلا ما رحم الله تعالى. تارةً تفوته الصلاة كلها وتارةً يدرك الصلاة في آخرها وأغلب أحواله تفوته ركعة أو ركعتان. والعجب من هذا وأمثاله هداهم الله تعالى أن ذلك التأخرَ المستَمر منه لم يؤثرْ في نفسِه بلوم أو ندم بل ربما هون الشيطان’ عليه تأخرَه بل وربما حسن الشيطان’ له ذلك بتلبيسه عليه بأنك مع تأخرك خير ممن لا يصلي وهذا وإن كان في أصله صحيحاً إلا أن ذلك التلبيس يزيده ضرراً وإثماً فلا يزال الشيطان’ به حتى يمنعَه من الجماعةِ وقد يتمادى به حتى يؤخَر بعضَ الصلاةِ عن أوقاتِها ولن يكتفي منه الشيطان’ بذلك حتى يسلخَ العبدَ عن فعلِ الصلاةِ كلها وهنا عياذاً بالله الخسارة’ والبوار’. فالحذرَ الحذرَ معاشرَ المسلمين من التأخرِ عن القيامِ إلى الصلاةِ المكتوبةِ فذلك مفتاح’ للشيطانِ يفتح به للعبدِ أبواباً من الشرورِ والآثام.
ولو ذهبنا نقلب صفحاتِ التاريخ وكتبِ التراجم لرأينا في سيرِ سلفنا الصَالحِ عظيمَ عنايتهم بشأنِ الصلاةِ وعظيمَ حرصهم على التبكيرِ في الذهابِ إلى الصلاة مع أنهم في زمنهم ذلك كانوا يفتقدون كثيراً من وسائلِ الراحةِ والنعيمِ التي نتنعم بها في بيوتنا وطرقنا ومراكبنا ومساجدنا. فعندنا مياه متوفرة دافئة في الشتاء وباردة في الصيف وطرقٌ معبدةٌ مضاءةٌ في الليلِ، ومساجد’ مهيأةٌ للمصلين بوسائل التبريد والتدفئةِ ناهيكم عن الفرشِ الوثيرة وأجهزةِ الصوتِ لرفعِ النداء والخطابة، ومع هذه النعمِ الكثيرةِ وغيرها تثاقلَ كثيرٌ من الناس عن التبكيرِ إلى الصلاةِ وأصبح لا يخرج من بيته إلا متأخراً تارةً بعد شروع الإمامِ في الصلاةِ ومضي ركعة أو ركعتين، وتارةً مع الإقامةِ وإن جاهد نفسه قبيل الإقامة، مع عدم وجود ما يشغله أو يؤخره عن الذهابِ مبكراً؛ فيدخل في الصلاةِ بعجلة إليها، فيحرم نفسه من خيرٍ كثير كان قادراً على تحصيله بأمرٍ يسير؛ فلو بكر قليلاً لأدركَ السنةَ القبلية وأدرك الدعاء بين الأذان ولإقامة، وأدرك متابعة المقيم في إقامته، وأدرك الصفَ الأولَ، وأدرك تكبيرةَ الإحرامِ، ودخل إلى صلاته مطمئناً.
وإليكم بعضَ الأمثلة لنعرفَ ما كان عليه سلفنا الصالح’ من عظيمِ الحرصِ والهمةِ والعناية بشأن التبكير في الذهابِ إلى الصلاة. قال يحيى القطان: (كان الأعمش’ من النساك، وكان محافظاً على الصلاة في جماعة وعلى الصف الأول، وهو علامة الإسلام). وقال وكيع بن الجراح: كان الأعمش’ قريباً من سبعينَ سنة لم تفته التكبيرة الأولى. وقال القاضي تقي’ الدينِ سليمان: (لم أصل الفريضةَ قط منفرداً إلا مرتين. وكأني لم أصلها قط). وقال محمد بن سماعة: (مكثت’ أربعين سنة، لم تفتني التكبيرة’ الأولى إلا يوماً واحداً ماتت فيه أمي ففاتتني صلاةٌ واحدة جماعة). وجاء في ترجمة سعيد بن المسيب أنه مانودي إلى الصلاة من أربعين سنة إلا وسعيدٌ في المسجد. وجاء في ترجمة إبراهيم ابن ميمون الصائغ أنه كان نجاراً وكان إذا رفعَ المطرقة ليطرق مسماراً ثم سمع المؤذن ألقى المطرقة وذهب إلى الصلاة. معاشر المسلمين وهذا قليلٌ من كثيرٍ مما صح عنهم .
ومماجاء عن إبراهيم بن يزيد رحمه الله تعالى أنه قال: (إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه) بل وصل الحال’ ببعض المحدثين إلى ترك رواية من يخل بإقامة صلاته. قال شعبة’ ابن’ الحجاج
رأيت يحيى بن عبيد الله التيمي يصلي صلاةً لا يقيمها فتركت حديثه)
فكيف اذن لو رأى سلفنا الصالح’ حالَ كثيرٍمنا ممن يتأخر دوماً عن الصلاة، وممن ينقر الصلاة نقراً ولا يعطي الركعة حظها من الركوع والسجود والطمأنينة.
ونقل الإمام الزركشي عن بعضِ أئمة أهلِ القرنِ السادسِ الهجري أنه قال: (أول ما أحدثَ الناس’ التأخرَ عن صلاةِ الجمعةِ ولقد كان الأوائل’ يذهبون للجمعة بالسرج في أيديهم). والمراد من ذلك بيان’ حرصهم في التبكير إلى إدراكِ الساعةِ الأولى والصفِ الأولِ والدنوِ من الإمام.
ومما يحسن ذكره في هذا المقام أن أهل العلم قرروا في قواعد الشريعة أن عمل الخير المستحب إذا ترتب على أداءه التفريط في عملٍ واجبٍ؛ نهي عن ذلك العمل المستحب وأثم فاعله إذا علم أنه سيضيع ما أوجب الله تعالى عليه. أخرج مالك في الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقد سليمان بن أبي خيثمة في صلاة الصبح فغدا عمر’ بن’ الخطاب فقابل أم سليمان بن أبي خيثمة فقال لها: لم أر سليمان في صلاة الصبح! فقالت: إنه بات يصلي؛ فغلبته عيناه. فقال عمر : (لأن أشهد صلاة الصبحِ في الجماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة).
فانظروا رحمكم الله تعالى كيف عاب عمرعلى سليمان سهره مع أن سهره كان في قيامٍ وتلاوةٍ ودعاء ؟ ولذا قال الإمام الشاطبي’ رحمه الله تعالى: (كره مالكٌ أحياء الليل كله) وقال: (لعله يصبح مغلوباً، وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة. ثم قال: لا بأس به مالم يضر بصلاة الصبح) انتهى كلامه. فكيف معاشر المسلمين بمن كان سهره على ما حرم الله تعالى من المرئيات والمسموعات والمقروءات!
اما بالنسبة للمراة التي هي الأم والزوجة والأخت فيجب ان تعلم انها ان تكاسلت عن القيام الى الصلاة تكاسل من معها من افراد اسرتها, فهي كالقلب بالنسبة للجسد إن صلح صلحت الأسرة وإن فسدت فسدت الأسرة ،و التكاسل في الصلاة داء خبيث كالسرطان، ينتشر بالجسد فيميت القلوب ومن بعده الجوارح.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الكسل ويقول : " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل"
الى لقاء اخر ان شاء الله مع صفة اخرى من صفات المنافقين في القران و السنة وسبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك