بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله وحده ،والصلاة والسلام على محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد:
امثال المنافقين في القرآن
لمَّا أخبر الله تعالى في أوائل سورة البقرة عن أحوال المنافقين ، وبيَّن حقيقة مواقفهم ، وكشف عن مكنون صدورهم، وفضح نفاقهم، أراد سبحانه وتعالى أن يكشفَ عن تلك الأحوال، والمواقف كشفًا تامًّا، ويبرزَها في معرض المحسوس المشاهد؛ فأتبعها بضرب هذين المثلين، زيادة في التوضيح والتقرير، ومبالغة في البيان.
قال تعالى:
﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ *صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ *أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدير ﴾ (البقرة:17- 20)
جاء في كتاب) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان( المعروف بتفسير السعدي، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله :
أي: مثلهم المطابق لما كانوا عليه كمثل الذي استوقد نارا، أي: كان في ظلمة عظيمة، وحاجة إلى النار شديدة فاستوقدها من غيره، ولم تكن عنده معدة، بل هي خارجة عنه، فلما أضاءت النار ما حوله، ونظر المحل الذي هو فيه، وما فيه من المخاوف وأمنها، وانتفع بتلك النار، وقرت بها عينه، وظن أنه قادر عليها، فبينما هو كذلك، إذ ذهب الله بنوره، فذهب عنه النور، وذهب معه السرور، وبقي في الظلمة العظيمة والنار المحرقة، فذهب ما فيها من الإشراق، وبقي ما فيها من الإحراق، فبقي في ظلمات متعددة: ظلمة الليل، وظلمة السحاب، وظلمة المطر، والظلمة الحاصلة بعد النور، فكيف يكون حال هذا الموصوف؟ فكذلك هؤلاء المنافقون، استوقدوا نار الإيمان من المؤمنين، ولم تكن صفة لهم، فانتفعوا بها وحقنت بذلك دماؤهم، وسلمت أموالهم، وحصل لهم نوع من الأمن في الدنيا، فبينما هم على ذلك إذ هجم عليهم الموت، فسلبهم الانتفاع بذلك النور، وحصل لهم كل هم وغم وعذاب، وحصل لهم ظلمة القبر، وظلمة الكفر، وظلمة النفاق، وظلم المعاصي على اختلاف أنواعها، وبعد ذلك ظلمة النار [وبئس القرار].
فلهذا قال تعالى [عنهم]: { صُمٌّ } أي: عن سماع الخير، { بُكْمٌ } [أي]: عن النطق به، { عُمْيٌ } عن رؤية الحق، { فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ } لأنهم تركوا الحق بعد أن عرفوه، فلا يرجعون إليه، بخلاف من ترك الحق عن جهل وضلال، فإنه لا يعقل، وهو أقرب رجوعا منهم.
ثم قال تعالى: { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ } يعني: أو مثلهم كصيب، أي: كصاحب صيب من السماء، وهو المطر الذي يصوب، أي: ينزل بكثرة، { فِيهِ ظُلُمَاتٌ } ظلمة الليل، وظلمة السحاب، وظلمات المطر، { وَرَعْدٌ } وهو الصوت الذي يسمع من السحاب، { وَبَرْقٌ } وهو الضوء [اللامع] المشاهد مع السحاب.
{ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ } البرق في تلك الظلمات { مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } أي: وقفوا.
فهكذا حال المنافقين، إذا سمعوا القرآن وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده، جعلوا أصابعهم في آذانهم، وأعرضوا عن أمره ونهيه ووعده ووعيده، فيروعهم وعيده وتزعجهم وعوده، فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم، ويكرهونها كراهة صاحب الصيب الذي يسمع الرعد، ويجعل أصابعه في أذنيه خشية الموت .
وأما المنافقون فأنى لهم السلامة، وهو تعالى محيط بهم، قدرة وعلما فلا يفوتونه ولا يعجزونه، بل يحفظ عليهم أعمالهم، ويجازيهم عليها أتم الجزاء.
ولما كانوا مبتلين بالصمم، والبكم، والعمى المعنوي، ومسدودة عليهم طرق الإيمان، قال تعالى: { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } أي: الحسية، ففيه تحذير لهم وتخويف بالعقوبة الدنيوية، ليحذروا، فيرتدعوا عن بعض شرهم ونفاقهم، { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فلا يعجزه شيء، ومن قدرته أنه إذا شاء شيئا فعله من غير ممانع ولا معارض.
الى لقاء اخر ان شاء الله مع صفات المنافقين في القران و السنة وسبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك