بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله وحده ،والصلاة والسلام على محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد:
دور النفاق في اسقاط الخلافة العباسية
لقد كان للنفاق دور بارز – كذلك - في إسقاط الخلافة العباسية! وذلك في حادثة من أبشع حوادث التاريخ! ذكرها بتفاصيلها وآلامها الحافظ ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية"، ملخصها: أن المستعصم بالله محمد بن الظاهر كان هو الخليفة السابع والثلاثين من خلفاء بني العباس، وكان للمستعصم وزيرٌ يسمَّى (ابن العلقمي)، وكان منافقاً رافضياً خبيثاً، استطاع بإظهاره الصلاح والتقوى التقرب إلى السلطان حتى صار وزيراً للخليفة، كتب هذا المنافق كتاباً إلى هولاكو ملك التتار يُبدي له استعداده أن يسلمه بغداد وأن يزيل خلافة المسلمين إذا حضر بجيوشه إليها، وكان التتار قد هُزموا في عهد المستنصر بالله، وقُتل منهم خلق كثير، وكان ابن العلقمي هذا يهدف إلى محو أهل السنة في العراق، وإقامةِ دولةٍ فاطميةٍ رافضيةٍ مكانها فكتب هولاكو لابن العلقمي بأن عساكر المسلمين على بغداد كثيرة، فإنْ كنتَ صادقاً فيما قلت لنا، وداخلاً تحت طاعتنا ففرِّق العسكر، فإذا عملتَ ذلك حضرنا!!
فلما وصل كتاب هولاكو إلى الوزير ابن العلقمي المنافق دخل على المستعصم، وزيَّن له أن يُسرِّح خمسة عشر ألف فارسٍ من عسكره؛ لأنه لا داعي لهذا العدد الضخم الآن، ولأن التتار قد رجعوا إلى بلادهم، ولا حاجة لتحميل الدولة رواتب هؤلاء العساكر!! ولثقة الخليفة بوزيره كما هي العادة للأسف، استجاب الخليفة لرأيه وأصدر قراراً عسكرياً بتسريح خمسة عشر ألف عسكري! فخرج ابن العلقمي ومعه الأمر، واستعرض الجيش، واختار تسريح أفضلهم، وأمرهم بمغادرة بغداد وكل ملحقاتها الإدارية، وفرَّقهم في البلاد!
فأصبح عدد جيش بغداد لا يزيد على عشرة آلاف جندي بعد أن كانوا نحو مائة ألف جندي!!.
ولما أتمَّ ابنُ العلقميِّ مكيدته، كتب إلى هولاكو بما فعل، فركب هولاكو وقدم بجيشه إلى بغداد! وأحسَّ أهل بغداد بمداهمة جيش التتار لهم، فاجتمعوا وتحالفوا وخرجوا إلى ظاهر المدينة، وقاتلوا ببسالة وصبر حتى حلَّت الهزيمة بجيش التتار مرة أخرى!! وتبعهم المسلمون وأسروا منهم، وعادوا مؤيدين منصورين، ومعهم الأسرى، ورؤوس القتلى، ونزلوا في خيامهم مطمئنين، فأرسل المنافقُ الرافضيُّ ابنُ العلقمي جماعةً من أصحابه ليلاً، فحبسوا مياه دجلة، ففاض الماء على عساكر بغداد وهم نائمون في خيامهم! وصارت معسكراتُهم مغمورةً، ومحاطةً بالوحل! وغرقتْ خيولُهم وأمتعتُهم وعتادُهم بالوحل! والناجي منهم من أدرك فرساً فركبه وخرج من معسكر الأوحال.
بعد ذلك أرسل ابن العلقمي إلى هولاكو يعلمه بمكيدته، ويدعوه أن يرجع بجيوشه فقد هيأ له الأمر بما يحقق له ولجيوشه الظفر والنصر! فعاد هولاكو بجيوشه وعسكر حول بغداد، ولمّا أصبح الصباح دخل جيش التتار بغداد، ووضعوا السيف في أهلها، وجعلوا يقتلون الناس كباراً وصغاراً، شيوخاً وأطفالاً! وضعوا الخليفة في كيس وقتلوه رفساً! واستمر التتار أربعين يوماً وهم يقتلون في الناس فما تركوا أحداً. فصارت بعد الأربعين خاويةً على عروشها، ليس فيها أحدٌ إلاّ الشاذ من الناس! والقتلى في الطرقات كأنها التلال، وقد سقط عليهم المطر، فتغيَّرت صورهم، وأنتنت من جيفهم البلد، وتغير الهواء، فحصل بسببه الوباء الشديد، حتى تعدى وسرى الهواء إلى بلاد الشام! فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح، فاجتمع على الناس الوباء والفناء، والطعن والطاعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله!! وكل هده المصائب التي حلَّت بالمسلمين ببغداد بسبب هذا المنافق! فاللهم ردَّ عنا كيد الكائدين، ومكر الماكرين، وشماتة الحاسدين.
ثم شوهد النفاق بعد ذلك في تركيا قبل سقوطها وبعد سقوطها خلال أكثر من ثمانين عاماً، ثم شوهد في فلسطين بعد احتلالها منذ ما يزيد على خمسين عاماً، والقائمة طويلة وطويلة جدا لايمكن حصرها .
الى اللقاء في الجزء الرابع ان شاء الله وسبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك