بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد:
ا-متابعة النبي صلى الله عليه وسلم
قال تعالى ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم ) النور آية 63
جاء في تفسير ابن كثير
وقوله: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ) أي: عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، سبيله هو ومنهاجه وطريقته [وسنته] وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قُبِل، وما خالفه فهو مَرْدُود على قائله وفاعله، كائنا ما كان، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من عمل عَمَلا ليس عليه أمرنا فهو رَدّ" .
أي: فليحذر وليخْشَ من خالف شريعة الرسول باطنًا أو ظاهرًا ( أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ) أي: في قلوبهم، من كفر أو نفاق أو بدعة، ( أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) أي: في الدنيا، بقتل، أو حَد، أو حبس، أو نحو ذلك. انتهى
وقال تعالى
: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسولِ اللهِ أُسوةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجو اللهَ وَاليَوْمَ الآخر وَذَكَرَ اللهَ كَثيراً ) .
قال ابن كثير في تفسيره:
هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله ; ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه ، عز وجل ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين; ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) أي : هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله ؟ ولهذا قال : ( لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا .
وقد صح عن معاوية رضي الله عنه أنه كان يستلم أركان الكعبة الأربعة، فقال له ابن عباس رضي الله عنه: (إنه لا يستلم هذان الركنان، فقال معاوية: ليس شيءٌ من البيت مهجوراً) رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد.
وزاد أحمد: فقال ابن عباس رضي الله عنهما: (((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ))[الأحزاب:21] فقال معاوية رضي الله عنه: صدقت).انتهى
ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم تشمل جميع امور الدين من عقيدة وعبادات واداب ومعاملات:
باب العقيدة
العقيدة المقصود بها هنا الإيمان بالله، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، وسائر ما ثَبَتَ من أُمور الغيب .
فيجب علينا ان نؤمن بربوبية الله تعالى وألوهيته وأسمائه وصفاته، دون تشبيه اوتعطيل ، كما اخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لانه هو الواسطة بيننا وبين الله في معرفته ،واذا استعملنا العقل ، فعين العقل يقول ان الله سبحانه وتعالى لاتدركه الابصار ولا تدركه العقول ، ولا مجال للتدخل الا بالاتباع ، ان كنا نحب الله ونتبع الرسول صلى الله عليه وسلم .
ونفس الشيء بالنسبة للايمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الاخر والقدر خيره وشره،
ونحقق المتابعة هنا، بالتوقف عن الاعتقاد في اي اصل من هذه الاصول حتى يثبت النص الصريح الصحيح ،فاذا ثبت وجب التوقف حيث وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون اجتهاد ،لانها عبادة توقيفية، ولا يحق لاي كان ان يزيد فيها او ينقص،الا بتفويض من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا يستحيل.
والفرق الاسلامية من معتزلة وغيرها، خالفت الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الامر، واتجهوا منحى التاويل والتعطيل ،فضلوا واضلوا، وافترقوا، كل حزب بما لديهم فرحين.
.باب العبادات
والعبادات هنا كذلك المقصود بها أركان الإسلام الخمسة التي لا يتم إسلام المرء إلا بها،ولا يتحقق القبول فيها بالنيات فقط دون متابعة الني صلى الله عليه وسلم .
فقد جاء في حديث أنس -رضي الله عنه- أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أنام على فراش فحمد الله وأثنى عليه فقال :"ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" [color=olive]
والدي لاشك فيه، أن هؤلاء ،كما نص على دلك علماءنا والله اعلم، أرادوا بعبادتهم وجه الله، إلا أن تلك العبادات التي قاموا بها لم تكن على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا انكر عليهم.
ونحقق المتابعة في هذا الباب ،بالتوقف عن العمل بهذه العبادات ، حتى تثبت صحة الحديث ، ثم ياتي العمل بعد ذلك، دون افراط ولا تفريط ،و بتوافق القلب مع أفعال الجوارح ،ولايجوز الاجتهاد الا في استنباط الاحكام والتوفيق بين الادلة الصحيحة المتعارضة في ظاهرها ،الى غير ذلك، ولا يتاتى هذا الا للعلماء المعتبرين من سلف الامة ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين.
باب الاداب والمعاملات
من خلال تقسيم الفقهاء لموضوعات الشريعة الاسلامية ، وجعل الاداب والمعاملات بعد العبادات، بدا لكثير من عامة الناس قلة اهمية هذه العبادة بالمقارنة مع العبادات الاخرى، فاهملوها ولم يعطوها حقها، فظهرت بعض الجماعات لاتتقن الا الحديث عن الضعيف والصحيح من الاحاديث ، وردا على هذا ، ظهرت جماعة اخرى بالغوا فجعلوا المعاملة هي الدين ، واستدلوا بالحديث الذي لااصل له ، * الدين المعاملة* كما نص على بطلانه شيخنا ابن باز رحمه الله،.
لكن خطورة هذا الباب تاتي من حديث رواه مسلم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون من المفلس ؟ قالوا:المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع , قال صلى الله عليه وسلم : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة , ويأتي وقد شتم هذا ,وقذف هذا , وأكل مال هذا , وسفك دم هذا , وضرب هذا , فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته من قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار )
فالحديث هنا بين ان هؤلاء القوم حققوا المتابعة في العقيدة وحققوا المتابعة في العبادات والدليل على ذلك قبول اعمالهم،ولكنهم لم يحققوا المتابعة في الاداب والمعاملات فكان مصيرهم ماكان. فالاسلام جزء لايتجزا ، لايدري الانسان في ايها تكون نجاته، أ في تحقيق العقيدة ام في العبادات؟ افي الاداب ام في المعاملات؟ افي الفرائض ام في السنن والمستحبات؟.
والمتابعة هنا تاتي من كون ان جميح الاداب والمعاملة مباحة، ولا تمنع الا بدليل شرعي صحيح، عكس العبادات والعقيدة.
الى الحلقة المقبلة ان شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,