لَيْسَ الْخَبَرُ كالْمُعَايَنَةِ
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ([b]
لَيْسَ الْخَبرُ كالْمُعَايَنةِ إن الله تعالى أخبر موسى بما صنع قومه في
العجل فلم يلق الألواح فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرت ) (1).
شرح المفردات(2):
- (الْمُعَايَنةِ) أي المشاهدة.
- (بما صنع قومه في العجل) من عبادته.
شرح الحديث:
أفاد
الحديث أنه ليس حال الإنسان عند معاينة الشيء كحاله عند الخبر عنه في
السكون والحركة وقوة التأثر، قال ابن القيم –رحمه الله-(( فلما قدم موسى
عليه السلام ورأى ما أصاب قومه من الفتنة اشتد غضبه وألقى الألواح عن رأسه
وفيها كلام الله الذي كتبه له، وأخذ برأس أخيه ولحيته، ولم يعتب الله عليه
في ذلك لأنه حمله عليه الغضب لله، وكان الله عز وجل قد أعلمه بفتنة قومه،
ولكن لما رأى الحال مشاهدة حدث له غضب آخر فإنه ليس الخبر كالمعاينة )) (3).
وقال
الكلاباذي : الخبر خبران صادق لا يجوز عليه الخطأ وهو خبر الله ورسوله صلى
الله عليه وسلم، ومحتمل وهو ما عداه فإن حمل الخبر على الأول فمعناه ليس
المعاينة كالخبر في القوة أي الخبر أقوى وآكد وأبعد عن الشكوك إذا كان
خبراً لصادق والمعاينة قد تخطئ فقد يرى الإنسان الشيء على خلاف ما هو عليه
كما في قصة موسى والسحرة، وإن حمل على الثاني فمعناه ليس المعاينة كالخبر
بل هي أقوى وأكد لأن المخبر لا يطمئن قلبه وتزول عنه الشكوك في خبر من يجوز
السهو عليه والغلط(4).
من فوائد الحديث:
1-
أن الله جعل لعباده أذاناً واعية وأبصاراً ناظرة، ولم يجعل الخبر في القوة
والتأثير كالنظر بالعيان، بل المشاهدة أقوى في تحصيل العلم القطعي، وقد
سأل إبراهيم الخليل ربه أن يريه إحياء الموتى عياناً بعد علمه بقدرة الرب
على ذلك، ليزداد طمأنينة، ويصير المعلوم غيباً شهادة.
2-
أن البيان بالفعل أثبت أحياناً - فيما فيه عمل- من القول، وأسرع إلى
الفهم, ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبين بعض العبادات لأصحابه
بالفعل كالصلاة والوضوء وغيرهما.
3-
طعن بعض الملحدين في حديث موسى عليه السلام هذا، فقال:لم يصدق بما أخبره
به ربه، ورد بأنه ليس في هذا ما يدل على أنه لم يصدق أوشك فيما أخبره، ولكن
للعيان روعة للقلب فهو أبعث لهلعه من المسموع، وموسى عليه السلام لما رجع
إلى قومه وعاين حالهم حدث في نفسه من الإنكار والتغيير ما لم يحدث بالخبر،
فألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه، والله تعالى أعلم. [/b]