[center]قال هـ. ج. ويلز:
"إن من أدمغ الأدلة على صدق مُحَمَّد كون أهله وأقرب الناس إليه يؤمنون به، فقد كانوا مطلعين على أسراره، ولو شكوا في صدقه لما آمنوا له".
وقال الفيلسوف كارليل في كتاب الرسالة المُحَمَّدية:
"لقد أصبح من أكبر العار على كل فرد متمدن من أبناء هذا العصر أن يُصغي إلى ما يدعيه المدعون من أن دين الإسلام كذب، وأن مُحَمَّداً خَدَّاع مُزور، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة، فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير مدة اثنا عشر قرناً لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم الله الذي خلقنا، أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاشت بها وماتت عليها هذه الملايين الفائتة الحصر والإحصاء أكذوبة وخدعة؟.
أما أنا فلا أستطيع أن أرى هذا الرأي أبداً، ولو أن الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا الرواج، ويصادفان منهم - أي الملايين - هذا التصديق والقبول فما الناس إلا حمقى مجانين، وما الحياة إلا سخف وعبث وضلال كان الأولى بها ألا تخلق!
هل رأيتم معشر الناس أن رجلاً كاذباً يستطيع أن يوجد ديناً وينشره؟ عجب والله، إن الرجل الكاذب لا يقدر أن يبني بيتاً من الطوب، وعلى ذلك فلسنا نعد مُحَمَّداً قط رجلاً كاذباً يتذرع بالحيل والوسائل إلى بغيته، أو يطمح إلى درجة ملك، أو غير ذلك من الحقائر والصغائر، وما الرسالة التي أداها إلا كانت حق صريح، وما كانت كلمته إلا صوتاً صادقاً صادراً من العالم المجهول - يعني الغيب - كلا! ما مُحَمَّد بالكاذب ولا بالملفق، وإنما هو قطعة من الحياة، قد تفطر عنها قلب الطبيعة فإذا شهاب قد أضاء العالم أجمع، ذلك أمر الله".
ومضى كارليل يقول: "ثم علينا أن لا ننسى شيئاً آخر، وهو أن مُحَمَّداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لم يتلق دروساً عن أستاذ أبداً، وكانت صناعة الخط حديثه العهد إذ ذاك في بلاد العرب، ويظهر لي أن الحقيقة هي أن مُحَمَّداً لم يكن يعرف الخط والقراءة، وكل ما تعلمه هو عيشة الصحراء وأحوالها، وكل ما وفق إلى معرفته هو ما أمكنه أن يشاهد بعينه، ويتلقى بفؤاده من هذا الكون عديم النهاية، وعجيب والله أمية مُحَمَّد! نعم إنه لم يعرف من العالم ولا من علومه إلا ما تيسر له أن يبصره بنفسه، أو يصل إلى سمعه في ظلمات صحراء العرب، وإني لأعرف عنه أنه كان كثير الصمت، يسكت حيث لا موجب للكلام، فإذا نطق فما شئت من لب وفضل، وإخلاص وحكمة، لا يتناول عرضاً فيتركه إلا وقد أنار شهيته، وكشف ظلمته، وأبان حجته، واستنار دفينته، وهكذا يكون الكلام وإلا فلا!
وقد رأينا مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - قد طوى حياته رجلاً راسخ المبدأ، صارم العزم، بعيد الهمة، كريماً براً، رؤوفاً تقياً، فاضلاً حُرَّاً أبياً".
ثم قال كارليل: "أيزعم الكاذبون أن الطمع وحب الدنيا هو الذي أقام مُحَمَّداً وأثاره؟ وهذا الزعم حماقة - وأيم الله - وسخافة وهوس! أي فائدة لمثل هذا الرجل في جميع بلاد العرب، وفي تاج قيصر، وصولجان كسرى، وجميع ما في الأرض من تيجان وصوالج؟ وأين تعبير الممالك والتيجان والدول جميعها بعد حين من الدهر؟ أفي مشيخة مكة، وقضيب مفضفض الطرف, أو في ملك كسرى؟ كلا! إذن فلنضرب صفحاً عن مذهب الجائرين القائل: "إن مُحَمَّداً كاذب"، ونعد مواقفهم عاراً وسُبَّةً، وسخافةً وحُمقاً، فلنربأ بنفوسنا عنه ولنترفع، ولقد قيل كثيراً في شأن نشر مُحَمَّد دينه بالسيف، فإذا جعل الناس ذلك دليلاً على كذبه فشد ما أخطأوا وجاروا! إنهم يقولون ما كان الدين ينتشر لولا السيف، ولكن ما هو حد السيف؟ هو قوة هذا الدين وأنه حق"، ثم قال: "أولم يروا أن النصرانية كانت لا تأنف أن تستخدم السيف أحياناً؟ وحسبكم ما فعل شرلمان بقبائل السكسون".
وفي الختام قال كارليل: " لقد كان مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - زاهداً متقشفاً في مسكنه ومأكله، ومشربه وملبسه، وسائر أمور حياته وأحواله، وكان طعامه عادة الخبز والماء، وربما كان يصلح ويرتق ثوبه بيده، فهل بعد ذلك مكرمة ومفخرة؟
فحبذا مُحَمَّد من نبي خشن اللباس، خشن الطعام، مجتهد في الليل، قائم النهار، ساهر الليل، دائب في نشر دين الله، غير طامح إلى ما يطمح إليه أصاغر الرجال من رتبة أو دولة أو سلطان، وهو بحق النَّبيّ ذو الخلق العظيم".
هذا ما كان من مواقف أولئك الرجال من أبناء الغرب المسيحي في ذلك التاريخ أي قبل قرنين.
أما في قرننا هذا القرن الحادي والعشرين فقد ازدادت الحقيقة وضوحاً، وزاد الحق ظهوراً؛ وذلك بفضل تقدم العلم والنهضة الثقافية، ومزيد الحرية في الأفكار ولاسيما في العقيدة بشأن دين من الأديان، أو مبدأ من المبادئ، ذلك لأن مُحَمَّداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - صادق في دعوته، أمين في تبليغ رسالته، وأن دينه دين حق، كلما بحث الباحثون، وناقشوا حوله، وحققوا في تعاليمه يزداد ظهوراً، فيزيد أتباعه والمؤيدون له، والمنصفون بحقه.
فمنهم: الكاتب الإنجليزي المعروف برناردشو الذي حقق رسالة مُحَمَّد - عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -، وحقق دينه، ودرس مبادئه دراسة محايدة حرة، لا ينزع إلا نحو الحق، وعاش في هذا القرن، وتوفي سنة 1950م، إنه يقول: " إن أوروبا الآن ابتدأت تحس بحكمة مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -، وبدأت تعشق دينه، كما أنها ستبرئ العقيدة الإسلامية مما اتهمت به من أراجيف رجال أوروبا في العصور الوسطى، وسيكون دين مُحَمَّد هو النظام الذي يؤسس عليه دعائم السلام والسعادة، ويستند على فلسفته في حل المعضلات، وفك المشكلات والعقد"، ثم قال: " وإن كثيرين من مواطني ومن الأوروبيين الآخرين يقدسون تعاليم الإسلام، وكذلك يمكنني أن أؤكد نبوءتي فأقول: إن بوادر العصر الإسلامي الأوروبي قريبة لا محالة!".
ويقول برنارد شو أيضاً: "وأعتقد أن رجلاً كمُحَمَّد لو تسلم زمام الحكم في العالم بأجمعه اليوم لتم النجاح في حكمه، ولقاد العالم إلى الخير، وحل مشاكله على وجه يحقق للعالم كله السلام والسعادة المنشودة".
كما قال برناردشو في أواخر حياته: "ولا يمضي مئة عام حتى تكون أوروبا ولاسيما إنجلترا وقد أيقنت بملائمة الإسلام للحضارة الصحيحة!".
* تعليق:إن اعتراف برنارد شو تعبير عن الحقيقة الجارية في قارة أوروبا اليوم، وأما نبوءته بشأن العصر الإسلامي الأوروبي فإنها ستحقق نظراً لما في الدين المُحَمَّدي من مبادئ وتعاليم تتمشى مع روح العصر، وتقتضيها الطبيعة البشرية، مما يؤدي بالمنصفين إلى اعتناقه بكل رغبة وافتخار، وإن أوروبا وأمريكا اليوم لفي أشد حاجة إلى الدِّين الإسلاميِّ في حل مشكلات الحياة التي أحاطت بها، وأعجزت عقول المفكرين عن حلها، وإنقاذها منها.
وقال جولد تسيهر: في كتابه العقيدة والشريعة في الإسلام: "كانت الهجرة إلى المدينة تحولاً كبيراً في سياسة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -، فقد أصبح مُحَمَّد - بعد الهجرة - مجاهداً وغازياً، ورجل دولة، ومنظم جماعة جديدة أصبحت تتسع وتنمو شيئاً فشيئاً، وعندئذ اتخذ الإسلام شكله النهائي، وعندئذ أظهرت البذور الأولى لنظامه الاجتماعي والفقهي والسياسي"، ثم قال جولد تسيهر: " في مكةَ كَانَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - يدعو إلى تعاليم دينه جماعة صغيرة، أما في المدينة فقد ظهر الإسلام نظاماً له طابع خاص، وله في الوقت نفسه صورة الهيئة المكافحة، وفي المدينة قامت طبول الحرب التي تردد صداها في جميع أزمنة التاريخ، وصار مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - ينظم أعمالاً حديثة، فأصبح ينظم طرق توزيع الغنائم، وينظم المواريث، ويشرع القوانين، ويضع أسس أمور الدين العلمية، وأهم احتياجات الحياة الاجتماعية، وفي المدينة رسمت الخطوط الرئيسية لحياة الإسلام التاريخية، وبدأ مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - مع الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم - تحقيق حياة مطابقة لما جاء به من دين ومذهب".
وقال البروفيسور عبد المسيح الأنطاكي المسيحي ما نصُّهُ: "إن المصطفى مُحَمَّداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - تدرج في دعوته، حيث ابتدأ بإعلان دعوته مسالماً، ثم أوجد الله له في الأوس والخزرج أنصاراً بالمدينة، هاجر من مكة إليهم بأصحابه تخلصاً من أذى قريش، فأبى القرشيون إلا أن يعملوا على النكاية بهم، فأرسلوا أولاً من يتبع خطواته وهو فار إلى المدينة من ظلمهم ليعيدوه إلى مكة فيسجنوه أو يقتلوه، ولما فشلوا في هذه الرغبة أخذوا يجمعون كلمة العرب على قتاله، حينئذ أذن الله له ولأصحابه وأنصاره بمقاتلة المشركين لسببين:
أولهما: الدفاع عن النفس بإزاء المعتدين.
وثانيهما: الدفاع عن الدعوة بإزاء الذين تعرضوا لها، فقد كانوا يفتنون المهتدين - يعني الذين آمنوا بمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - بالاضطهاد والتعذيب، ويصدون الآخرين عن الهدى عنوة، ويقومون بمحاولة منع الداعي عن تبليغ دعوته بالسخرية به وغيرها، ثم بمحاولة قتله.
أما أمر الله بالقتال فقد جاء في مواضع شتى من القرآن منها إذ قال الله - تعالى-: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيعٌ وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقويٌ عزيز * الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلوات وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور *}.
وأنت ترى في هذه الآية الكريمة أن سبب إذن الله للمسلمين بالقتال هو ظلم المشركين لهم، وما ذنبهم إلا قولهم "ربنا الله"، فأخرجوا من ديارهم لهذا الاعتقاد - اعتقاد التوحيد -.
ومضى البروفيسور يقول: "وجاء في القرآن أيضاً في سبيل القتال قوله - تعالى-: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ * الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ *} سورة البقرة، وأنت ترى في هذه الآيات الكريمة ما يخلق ويجدر أن يصدر عن الإله الواحد، العادل المؤدب، القهار الرحيم، وذلك لجمعها بين الدفاع عن النفس، وتأديب المعتدين، وإبطال الفتنة، والانتصار لدين الله، وفي القرآن أشباه لهذه الآيات الكريمة العادلة التي أنزلت على مُحَمَّد بن عبد الله لعزة الدين، وردع الظالمين المعتدين".
وفي الختام قال البروفيسور: "لا جرم أن الإسلام كان ولا يزال مسالماً من سالم أهله إذ قال الله سبحانه: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ *}، وفي هذه الآيات الكريمة تتجلى روح الإسلام العادلة بأجل تجليها لدى المنصفين".
وقال: أميل دير مانجم في كتابه حياة مُحَمَّد: "إن حياة مُحَمَّد رسول الإسلام - عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - قد أبدى في أغلب حياته - بل في طول حياته - اعتدالاً لافتاً للنظر، فقد برهن في انتصاره النهائي على عظمة نفسية قل أن يُوجد لها مثيل في التاريخ، إذ أمر جنوده أن يعفوا عن الضعفاء والمسنين، والأطفال والنساء، وحذرهم أن يهدموا البيوت، أو أن يسلبوا التجار، أو أن يقطعوا الأشجار المثمرة، وأمرهم أن لا يجردوا السيوف إلا في حالة الضرورة القاهرة، بل قد سمعناه يؤنب بعض قواده، ويصلح أخطاءهم إصلاحاً مادياً".
ثم قال دير مانجم: "إن الغنائم الحربية كانت في ذلك العهد النتيجة العادية لكل جهاد، بل يمكن أن يُقال: إنها كانت مع التجارة، وتربية الحيوان؛ هي الصناعة الوطنية العربية، فأعلن مُحَمَّد رسول الإسلام إباحتها لأتباعه استجابة لضعفهم، ولكنه حددها بقواعد دقيقة، فخصص الجزء الأكبر منها للصدقات، ولحاجات الجيش، كما أنه حظر في قسم الأسرى إبعاد الأطفال عن أمهاتهم).
نقل صاحب كتاب المستشرقون والإسلام المهندس زكريا هاشم زكريا عن أحد المسشرقين يقول: " لو لم يكن لمُحَمَّد معجزة إلا أنه صنع أُمَّةً من البدو فجعلها أمةً كبرى في التاريخ لكفته معجزةً في العالمين".
ونقل عن آخر - أيضاً - يقول: " لو أن كتاب مُحَمَّد وجد في صحراء لكان الذي يعثر عليه جديراً بالخلود، ولو جاء مُحَمَّد بالقرآن من عنده لكان جديراً أن تدين له الإنسانية بالولاء، فرسالة مُحَمَّد في قرآن كريم أو حديث شريف حكمة بالغة في الحياة، وقد أحاطت بالمادة والروح، وأعطت صورة سكون في أرضه وسمائه، وصورة للوجود في بدئه ومختتمه، وأملاً عالياً في الخلود في طاقات عليا بعد جمود المادة واضطرابها، ثم تحدثت عن الخالق الأعظم في أروع صورة للواحد الأحد، الفرد الصمد، لم يسبق إليها في فلسفة أو كتاب بهذه الصورة الجامعة الكاملة ".
نشرت مجلة الصراط المستقيم في بغداد العدد ربيع الأول سنة 1315هـ مقالاً بقلم عربي مسيحي بعنوان رسول الوحدة يقول فيه: " في حياة مُحَمَّد بن عبد الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - أسطع دليل يحمله تاريخ الحضارة إلينا، ويدل على ما للعقيدة الراسخة في قلب المؤمن من قوة تجمع شتات الناس، وتوحد كلمة أخلاطهم (قبائلهم المختلطة)، وتخلق من بدو الصحاري ورجال القفار أبطالاً أفذاذاً، لا يقوى على الوقوف في سبيل جهادهم من أجل المبدأ السامي واقف.
أطل مُحَمَّد الأمين من منافذ الحياة فاقداً أمه وأباه، فشاهد أنقاض حمير، وخراب سبأ وقد شخص عليها اللات والعزى، ورأى قومه غارقين في سبات الجاهلية العميق متفرقين في طرائق، ولم يبق لهم من حضارتهم الدارسة وعزهم الغابر غير (كعبة) يحجون إليها، وشعر حماسي تافه جله ينشدونه في أسواق اختلط فيها حابل الحضر بنابل البدو.
وفي قلب بيئة أظلمت فيها عقول الخاصة، وانحطت فيها أخلاق العامة، رفع النَّبيّ العربي صوته العالي يدعو أمته إلى الوحدة بالتوحيد، وإلى المجد بالجهاد، مستمداً قوته من وحي وإلهام فياض في نفسه الكبيرة، فرفعه فوق الناس، وجعله أعظم زعيم رآه البشر في تاريخ الإصلاح والحرب والسياسة، لا يذكر في جانبه نبي ولا زعيم ولا مصلح آخر.
قال مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - كلمته فسخر قومه من دعوته، وسفهوا نبوته، وناصبوه العداء؛ حتى ألجأوه إلى الهجرة من وطنه، فهرب من مكة متوجهاً إلى المدينة مع صديقه أبي بكر الصديق، ولما تسرب اليأس إلى قلب رفيقه في السفر أوصاه أن لا يحزن لأن الله معهما، وحقاً إن الله كان معه، كان في قلبه مبعث إيمانه الراسخ بمبدأه القويم مبدأ توحيد أمته في اعتقادها وفي مسعاها.
لقد وقف فتى قريش يومئذ فريقاً وحده، لا نصير له غير الله الواحد، ولا عون له غير قوة إيمانه، ووقف العالم برمته بعربه وأعرابه وعجمه فريقاً ثانياً عليه، ابن عبد الله صف واحد، والجزيرة العربية والأمبراطورية الرومانية والفارسية في صف آخر متألبة عليه.
ولكن خيبة الأمل لم تكن في معجم النَّبيّ العربي وقاموسه، ففي وقعة بدر ضرب أعداءه الضربة القاضية، فتم له ما أراد من توحيد كلمة الجزيرة العربية موطن أمته.
وفي وقعتي اليرموك والقادسية انفتحت أبواب العالم على مصراعيها أمام العرب غرباً إلى الأندلس وفرنسا، وشرقاً إلى الهند والصين، حتى دان العالم القديم كله لذلك الفتى العربي القوي بإيمانه وعزمه، ولا يزال حتى اليوم يوجه ملايين من البشر وجوههم شطر قبلته المسجد الحرام، وما انفك العالم المثقف بأسره يرى فيه أعظم بطل عرفه التاريخ بلا جدل".
وقال بارتلمي سنت هيلر في حديثه عن أثر الإسلام في الشعوب التي اعتنقته: "كان مُحَمَّدٌ نبيُّ الإسلامِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - أكثر عرب زمانه ذكاءً, وأشدهم تديناً, وأعظمهم رأفة، وقد نال مُحَمَّدٌ سلطانَهُ الكبيرَ بفضلِ تفوقه عليهم"، ثم قال بارتلمي: "ونعد دينه الذي دعا الناس إلى اعتقاده جزيل النعم على جميع الشعوب التي اعتنقته".
* تعليق: إنَّ رسولَ الإسلامِ مُحَمَّداً - عليه أفضل الصلاة والسلام - لم يُبعث إلى قومِهِ العرب فحسب، بل بُعث إلى شعوب العالم عامة، والله - سبحانه -يقول: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ونذيراً}، ولهذا فإن الله العليم الحكيم الذي أرسله قد أعده قبل أن يرسله لتحمل هذه الرسالة العالمية بالصفات العظيمة التي تتطلبها رسالته من كثرة الذكاء، وشدة التدين والتقوى، وعظمة الرأفة وغيرها، وقد وصفه الله ربه فقال: {وإنك لعلى خلق عظيم}، وقد أنصف بارتلمي فاعترف بما هو الحق الذي لا يجوز إنكاره بقوله الأخير: "ونعد دينه الذي دعا الناس إلى اعتقاده جزيل النعم على جميع الشعوب التي اعتنقته" لأن بعثته بهذا الدين كانت في الحقيقة رحمة لجميع العالم، وقد قال الله - عَزَّ وجَلَّ - في وصف هذه البعثة: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} والحمدُ للهِ على ذلكَ أولاً وآخراً.
وقال (طور اندريه) و(جورج مارسيه) في كتابهما العالم الشرقي: " كان مُحَمَّدٌ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - شُجاعاً يخوض المعركة بنفسه ليرد الثبات إلى قلوب الذين يضعفون، وكان رحيماً بالضعفاء، يؤوي في بيته عدداً كبيراً من المحتاجين ( يشيران إلى أهل الصفة كأبي هريرة وغيره)، وكان مع احتفاظه بهيبة كاملة بسيط الحركات لا يتكلف شيئاً، وبشوشاً سهل المعاملة، رقيق الحاسة، لا يثير غَضَبه أهلُ الفضول، وكان مُحَمَّد رجلاً بشيراً، كان فيه لاشَكَّ كثير من الخصال التي اتسم بها رجال عصره، ولكنه حمل إلى هؤلاء الرجال مثلاً رفيعاً في الدين والأخلاق، وسما سمواً بالغاً عن الآراء القديمة التي كانوا يرزحون تحت ثقلها (يشيران إلى التقاليد الجاهلية)، ثم قالا: "وهو إذ جمعهم عصبة واحدة تحت راية ذلك المثل الرفيع - الدين والأخلاق وسائر التعاليم السماوية - قد صنع منهم قوة قُدِّر لها فيما بعد أن تهز أركان العالم القديم".
وكتبت دائرة المعارف البريطانية - الطبعة الحادية عشر -: "كان مُحَمَّدٌ أظهر الشخصيات الدينية العظيمة، وأكثرها نجاحاً وتوفيقاً، ظهر النَّبيُّ مُحَمَّدٌ في وقت كان العرب فيه هووا إلى الحضيض، فما كانت لهم تعاليم دينية محترمة، ولا مبادئ مدنية أو سياسية أو اجتماعية، ولم يكن لهم ما يفاخرون به من الفن أو العلوم، وما كانوا على اتصال بالعالم الخارجي، وكانوا مفككين لا رابط بينهم، كل قبيلة وحدة مستقلة، وكل منها في قتال مع الأخرى، وقد حاولت اليهودية أن تهديهم فما استطاعت، وباءت محاولات المسيحية بالخيبة كما خابت جميع المحاولات السابقة للإصلاح، ولكن ظهر النَّبيُّ مُحَمَّدٌ الذي أُرسل هدى للعالمين، فاستطاع في سنوات معدودات أن يقتلع جميع العادات الفاسدة من جزيرة العرب، وأن يرفعها من الوثنية المنحطة إلى التوحيد، وحوّل أبناء العرب الذين كانوا أنصاف برابرة إلى طريق الهدى والفرقان، فأصبحوا دعاة هدى ورشاد بعد أن كانوا دعاة وثنية وفساد، وانتشروا في الأرض يعملون على رفع كلمة الله... إلخ.
وقال الدكتور شبلي شميل - المسيحي المعروف -: "إن مُحَمَّداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - أكمل البشر من الغابرين والحاضرين، ولا يُتصوَّرُ مثله في الآتيينَ!".
وقال جونس أوركس الأديب الإنجليزي: "لم نعلمْ أن مُحَمَّداً نبيَّ الإسلامِ - صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عَلَيْهِ - تسربل بأي رذيلة مدة حياته".
وقال غوستاف لوبون الفرنسي: "إن مُحَمَّداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - رغم ما يُشاع عنه (يعني من قبل المخالفين له في أوروبا) قد ظهر بمظهر الحلم الوافر، والرحابة الفسيحة إزاء أهل الذمة جميعاً".
وقال المسيو جان سبيرو السويسري: "إنه مهما زاد الإنسان اطلاعاً على سيرة مُحَمَّدٍ النَّبيِّ - عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - لا بكتب أعدائه وشانئيه، بل بتأليفات معاصريه، وبالكتاب والسنة؛ إلا وأدرك أسباب إعجاب الملايين من البشر في الماضي حتى الآن بهذا الرجل، وفهم علة تفانيهم في محبته وتعظيمه".
وقال السير فلكد الأمريكي: "كان عقل مُحَمَّدٌ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - من العقول الكبيرة التي قلَّما يجودُ بها الزَّمانُ، فقد كان يدرك الأمر، ويدرك كنهه من مجرد النظرة البسيطة، وكان النَّبيُّ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - في معاملاته الخاصة على جانب كبير من إيثار العدل، فقد كان يعامل الصديق وغيره، والقريب والبعيد، والغني والفقير، والقوي والضعيف؛ بالمساواة والإنصاف"، ثم قال السير فلكد بعد أن تحدث عن غزوات مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - وانتصاراته ما ترجمته: " وكل هذه الانتصارات والفتوحات لم توقظ في مُحَمَّد النَّبيّ أي شعور بالعظمة والكبرياء كما يفعل ذلك من كان يتأثر بالأغراض الشخصية، في هذا الوقت الذي وصل فيه إلى غاية القوة والسطوة كان على حالته الأولى في معاملته ومظهره، حتى كان يغضب عندما يرى من أهل المجلس الذي يقدم عليه احتراماً أكثر من العادة، وكانت الثروة تنهال عليه من الغنائم وغيرها ولكنه كان يصرفها على نشر دعوته، ومساعدة الفقراء"، وفي الختام قال السير فلكد: "وكان مُحَمَّدٌ راحته وعزاءه في أوقات الشدة والمحنة في الثقة بالله ورحمته، معتمداً دائماً على الله ليتمتع بالحياة الأخرى".
وقال بورست سميث: "إني صميم الاعتقاد على أنه سيأتي يومٌ يتفق فيه القومُ وزعماء النصرانية الحقَّة على أنَّ مُحَمَّداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - نبي، وأن الله - عَزَّ وجَلَّ - قد بعثه حقاً".
وقال القس لوزان بعد بيان عن أوصاف مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم َ-: " فمُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - بلا التباس ولا نكران من النَّبيّين والصديقين، بل وإنه نبي عظيم جليل القدر والشأن، لقد أمكنه بإرادة الله - سبحانه - تكوين الملة الإسلامية، وإخراجها من العدم إلى الوجود، بما صار أهلها ينيفون (يزيدون) عن الثلاثمائة مليون (يعني على ظنه في زمانه) من النفوس، وراموا بجدهم سلطنة الرومان، وقطعوا برماحهم دابر أهل الضلالة، إلى أن صارت ترتعد من ذكرهم فرائص الشرق والغرب".
* ختام وتعليق:وهنا آية أرى أنها تثبت أن رسالة مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - رسالة عالمية، وإلى القراء هذه الفائدة مع تفسيرها للإمام النسفي:
ق"وله - تعالى-: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً} أي لو شئنا لخففنا عنك أعباء نذارة جميع القرى (العالم)، ولبعثنا في كل قرية نبياً ينذرها، ولكن شئنا أن نجمع لك فضائل جميع المرسلين بالرسالة إلى كافة العالمين، فقصرنا الأمر (أمر الرسالة) عليك، وعظمناك به، فتكون وحدك ككلهم {فلا تطع الكافرين} فيما يدعونك إليه {وجاهدهم به} بالقرآن {جهاداً كبيراً} تحقيقاً لرسالتك إلى كافة العالمين" الآية 51 من سورة الفرقان.
ولقد أعلن مُحَمَّد بن عبد الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - هذه الرسالة العالمية للعالمين تأدية للأمانة حيث قال: (أُعطيت خمساً لم يُعطهنَّ أحدٌ من الأنبياء قبلي: نُصرت بالرعب من مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركتْهُ الصلاة فليصل، وأُحِلَّ لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النَّبيُّ يُبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة) رواه الإمامان البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.